عسل العرب منتــدى : ترفيهــي - ثقــافــي - اجتمــاعــي |
عسل العرب: زورانا الكرام...مرحبا بكم بين زهور الإبداع ورحيق الأخوة وشهد المحبة نورتو منتدانا |
|
| تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابو احمد **//نائب المدير**//**
عدد المساهمات : 6783 تاريخ التسجيل : 27/12/2009
| موضوع: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الأربعاء أكتوبر 31, 2012 10:18 am | |
| /تفسير-سورة-الأنفال-1-في-ظلال-القرآن-سيد/] تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب
[b]سورة الأنفال مدنية وأياتها خمس وسبعون
بسم الله الرحمن الرحيم
\التعريف بسورة الأنفال
نعود الآن إلى القرآن المدني - بعد سورتي الأنعام والأعراف المكيتين - وقد سبقت منه في هذه الظلال - التي نسير فيها وفق ترتيب المصحف لاوفق ترتيب النزول - سور:البقرة , وآل عمران , والنساء والمائدة . . ذلك أن الترتيب الزمني للنزول لا يمكن القطع فيه الآن بشيء - اللهم إلا من ناحية أن هذا قرآن مكي وهذا قرآن مدني على وجه الإجمال , على ما في هذا من خلافات قليلة - فأما الترتيب الزمني المقطوع به من ناحية زمن نزول كل آية أو كل مجموعة من الآيات أو كل سورة , فيكاد يكون متعذراً ; ولا يكاد يجد الإنسان فيه اليوم شيئاً مستيقناً - إلا في آيات معدودات تتوافر بشأنها الروايات أو تقطع بشأنها بعض الروايات . . وعلى كل ما في محاولة تتبع آيات القرآن وسوره وفق الترتيب الزمني للنزول من قيمة , ومن مساعدة على تصور منهج الحركة الإسلامية ومراحلها وخطواتها , فإن قلة اليقين في هذا الترتيب تجعل الأمر شاقاً ; كما أنها تجعل النتائج التي يتوصل إليها تقريبية ظنية , وليست نهائية يقينية . . وقد تترتب على هذه النتائج الظنية التقريبية نتائج أخرى خطيرة . . لذلك آثرت في هذه الظلال أن أعرض القرآن بترتيب سوره في المصحف العثماني ; مع محاولة الإلمام بالملابسات التاريخية لكل سورة - على وجه الإجمال والترجيح - والاستئناس بهذا في إيضاح الجو والملابسات المحيطة بالنص - على وجه الإجمال والترجيح أيضاً - على النحو الذي سبق في التعريف بالسور الماضية في هذه الطبعة الجديدة من الظلال . . وعلى هذا النحو نمضي - بعون الله - في هذه السورة . .
نزلت سورة الأنفال التي نعرض لها هنا بعد سورة البقرة . . نزلت في غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان من العام الثاني للهجرة بعد تسعة عشر شهراً من الهجرة على الأرجح . . ولكن القول بأن هذه السورة نزلت بعد سورة البقرة لا يمثل حقيقة نهائية . فسورة البقرة لم تنزل دفعة واحدة ; بل أن منها ما نزل في أوائل العهد بالمدينة , ومنها ما نزل في أواخر هذا العهد . وبين هذه الأوائل وهذه الأواخر نحو تسع سنوات ! ومن المؤكد أن سورة الأنفال نزلت بين هذين الموعدين ; وأن سورة البقرة قبلها وبعدها ظلت مفتوحة ; تنزل الآيات ذوات العدد منها بين هذين الموعدين ; وتضم إليها وفق الأمر النبوي التوقيفي . ولكن المعول عليه في قولهم:إن هذه السورة نزلت بعد هذه السورة , هو نزول أوائل السور . كما ذكرنا ذلك في التعريف بسورة البقرة .
وفي بعض الروايات أن الآيات من 30 إلى غاية 36 من سورة الأنفال مكية . . وهي هذه الآيات:
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك . ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين . وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا:قد سمعنا . لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين . وإذ قالوا:اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء , أو ائتنا بعذاب أليم . وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم , وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون . وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام , وما كانوا أولياءه , إن أولياؤه إلا المتقون , ولكن أكثرهم لايعلمون . وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية , فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون . إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله , فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون , والذين كفروا إلى جهنم يحشرون . .
ولعل الذي دعا أصحاب هذه الروايات إلى القول بمكية هذه الآيات أنها تتحدث عن أمور كانت في مكة قبل الهجرة . . ولكن هذا ليس بسبب . . فإن هناك كثيراً من الآيات المدنية تتحدث عن أمور كانت في مكة قبل الهجرة . وفي هذه السورة نفسها آية:26 قبل هذه الآيات تتحدث عن مثل هذا الشأن:
(واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض , تخافون أن يتخطفكم الناس , فآواكم وأيدكم بنصره , ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون). .
كما أن الآية:36 وهي الأخيرة من تلك الآيات تتحدث عن أمر كان بعد بدر , خاص بإنفاق المشركين أموالهم للتجهيز لغزوة أحد:
(إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله . فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة , ثم يغلبون , والذين كفروا إلى جهنم يحشرون). .
والروايات التي تذكر أن هذه الآيات مكية ذكرت في سبب النزول مناسبة هي محل اعتراض . فقد جاء فيها:أن أبا طالب قال لرسول الله [ ص ] ما يأتمر به قومك ? قال:يريدون أن يسحروني ويقتلوني ويخرجوني ! فقال:من أخبرك بهذا ? قال:ربي . قال:نعم الرب ربك . فاستوص به خيراً ! فقال رسول الله [ ص ]:أنا استوصي به ! بل هو يستوصي بي خيراً ! فنزلت: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك). . الآية . .
وقد ذكر ابن كثير هذه الرواية واعترض عليها بقوله:" وذكر أبي طالب في هذا غريب جداً , بل منكر . لأن هذه الآية مدنية . ثم إن هذه القصة , واجتماع قريش على هذا الائتمار , والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل , إنما كانت ليلة الهجرة سواء . وذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين . لما تمكنوا منه واجترأوا عليه بسبب موت عمه أبي طالب , الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه " . .
وقد ذكر ابن إسحاق . عن عبد الله ابن أبي نجيح . عن مجاهد . عن ابن عباس - وعنه كذلك من طريق آخر - حديثاً طويلاً عن تبييت قريش ومكرهم هذا , جاء في نهايته قوله:" . . وأذن الله له عند ذلك بالخروج , وأنزل عليه - بعد قدومه المدينة - "الأنفال" يذكره نعمه عليه , وبلاءه عنده وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك , ويمكرون ويمكر الله . والله خير الماكرين)" . .
وهذه الرواية عن ابن عباس - رضي الله عنهما - هي التي تتفق مع السياق القرآني قبل هذه الآيات وبعدها . من تذكير الله سبحانه لنبيه [ ص ] وللمؤمنين بما أسلف إليهم من فضله ; في معرض تحريضهم على الجهاد في سبيل الله والاستجابة لما يدعوهم إليه منه والثبات يوم الزحف . . إلى آخر ما تعالجه السورة من هذاالأمر كما سنبين . . والقول بأن هذه الآيات مدنية كالسورة كلها هو الأولى
وبعد , فإنه من أجل مثل هذه الملابسات في الروايات الواردة عن أسباب النزول , آثرنا المنهج الذي جرينا عليه في عرض القرآن الكريم كما هو ترتيب السور في مصحف عثمان - رضي الله عنه - لا وفق ترتيب النزول الذي لا سبيل اليوم فيه إلى يقين . . مع محاولة الاستئناس بأسباب النزول وملابساته قدر ما يستطاع .
والله المستعان . .
هذه السورة نزلت في غزوة بدر الكبرى . . وغزوة بدر - بملابساتها وبما ترتب عليها في تاريخ الحركة الإسلامية وفي التاريخ البشري جملة - تقوم معلماً ضخماً في طريق تلك الحركة وفي طريق هذا التاريخ .
وقد سمى الله - سبحانه - يومها (يوم الفرقان يوم التقى الجمعان). . كما أنه جعلها مفرق الطريق بين الناس في الآخرة كذلك لا في هذه الأرض وحدها ; ولا في التاريخ البشري على هذه الأرض في الحياة الدنيا وحدها . فقال سبحانه هذان خصمان اختصموا في ربهم:فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار , يصب من فوق رؤوسهم الحميم , يصهر به ما في بطونهم والجلود . ولهم مقامع من حديد . كلما أرادوا أن يخرجوا منها - من غم - أعيدوا فيها , وذوقوا عذاب الحريق . . إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير . وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد . .). . [ الحج:19 - 24 ] وقد ورد أن هذه الآيات نزلت في الفريقين اللذين التقيا يوم بدر . . يوم الفرقان . . لا في الدنيا وحدها , ولا في التاريخ البشري على الأرض وحدها ; ولكن كذلك في الآخرة وفي الأبد الطويل . . وتكفي هذه الشهادة من الجليل - سبحانه - لتصوير ذلك اليوم وتقديره . . وسنعرف شيئاً من قيمة هذا اليوم , حين نستعرض الوقعة وملابساتها ونتائجها . .
ومع كل عظمة هذه الغزوة , فإن قيمتها لا تتضح أبعادها الحقيقية إلا حين نعرف طبيعتها وحين نراها حلقة من حلقات "الجهاد في الإسلام" , وحين ندرك بواعث هذا الجهاد وأهدافه . كذلك نحن لا ندرك طبيعة "الجهاد في الإسلام" وبواعثه وأهدافه , قبل أن نعرف طبيعة هذا الدين ذاته . .
لقد لخص الإمام ابن القيم سياق الجهاد في الإسلام في "زاد المعاد" , في الفصل الذي عقده باسم:"فصل في ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقين من حين بعث إلى حين لقي الله عز وجل:أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى:أن يقرأ باسم ربه الذي خلق . وذلك أول نبوته . فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ . ثم أنزل عليه يا أيها المدثر . قم فأنذر)فنبأه بقولهاقرأ)وأرسله ب(يا أيها المدثر). ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين . ثم أنذر قومه . ثم أنذر من حولهم من العرب . ثم أنذر العرب قاطبة . ثم أنذر العالمين . فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ; ويؤمر بالكف والصبر والصفح . ثم أذن له في الهجرة , وأذن له في القتال . ثم أمره أن يقاتل من قاتله , ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله . ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله . . ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام:أهل صلح وهدنة . وأهل حرب . وأهل ذمة . فأمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم , وأن يوفي لهم به ما استقاموا على العهد ; فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد . وأمر أن يقاتل من نقض عهده . .
| |
| | | جوهرة فلسطين **//**نائب المدير**//**
عدد المساهمات : 2400 تاريخ التسجيل : 14/04/2012
| موضوع: رد: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الأربعاء أكتوبر 31, 2012 1:03 pm | |
| | |
| | | همس الورد ــ*ــ*ــ عضــو مميز ــ*ــ*ــ
عدد المساهمات : 113 تاريخ التسجيل : 28/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الأربعاء أكتوبر 31, 2012 1:54 pm | |
| بارك الله فيك أخ محمد وجزاك الله خيرا | |
| | | ابو احمد **//نائب المدير**//**
عدد المساهمات : 6783 تاريخ التسجيل : 27/12/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الخميس نوفمبر 01, 2012 9:18 am | |
| | |
| | | ابو احمد **//نائب المدير**//**
عدد المساهمات : 6783 تاريخ التسجيل : 27/12/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الخميس نوفمبر 01, 2012 9:21 am | |
| | |
| | | عسل العرب @@مديرة المنتدى@@
عدد المساهمات : 11618 تاريخ التسجيل : 11/12/2009 العمر : 33 الموقع : بغداد
| موضوع: رد: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الخميس نوفمبر 01, 2012 11:41 am | |
| تسلم ايدك اخي ابو احمد
وجزاك الله الجنة وجعها في موازين حسناتك
| |
| | | ابو احمد **//نائب المدير**//**
عدد المساهمات : 6783 تاريخ التسجيل : 27/12/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الإثنين نوفمبر 05, 2012 8:15 am | |
| | |
| | | الادهم **/-*-/**عضو مبدع**/-*-/**
عدد المساهمات : 379 تاريخ التسجيل : 30/07/2012 الموقع : قلوب دافئه
| موضوع: رد: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الإثنين نوفمبر 05, 2012 10:09 am | |
| جزاك الله خير الجزاء عنا وعن امة محمد تقبل مرورى اخى | |
| | | ابو احمد **//نائب المدير**//**
عدد المساهمات : 6783 تاريخ التسجيل : 27/12/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الأربعاء نوفمبر 07, 2012 7:34 am | |
| | |
| | | Biba Queen **//**عضو جديد**//**
عدد المساهمات : 33 تاريخ التسجيل : 07/11/2012
| موضوع: رد: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الأربعاء نوفمبر 07, 2012 1:21 pm | |
| - ابو احمد كتب:
/تفسير-سورة-الأنفال-1-في-ظلال-القرآن-سيد/] تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب
[b]سورة الأنفال مدنية وأياتها خمس وسبعون
بسم الله الرحمن الرحيم
\التعريف بسورة الأنفال
نعود الآن إلى القرآن المدني - بعد سورتي الأنعام والأعراف المكيتين - وقد سبقت منه في هذه الظلال - التي نسير فيها وفق ترتيب المصحف لاوفق ترتيب النزول - سور:البقرة , وآل عمران , والنساء والمائدة . . ذلك أن الترتيب الزمني للنزول لا يمكن القطع فيه الآن بشيء - اللهم إلا من ناحية أن هذا قرآن مكي وهذا قرآن مدني على وجه الإجمال , على ما في هذا من خلافات قليلة - فأما الترتيب الزمني المقطوع به من ناحية زمن نزول كل آية أو كل مجموعة من الآيات أو كل سورة , فيكاد يكون متعذراً ; ولا يكاد يجد الإنسان فيه اليوم شيئاً مستيقناً - إلا في آيات معدودات تتوافر بشأنها الروايات أو تقطع بشأنها بعض الروايات . . وعلى كل ما في محاولة تتبع آيات القرآن وسوره وفق الترتيب الزمني للنزول من قيمة , ومن مساعدة على تصور منهج الحركة الإسلامية ومراحلها وخطواتها , فإن قلة اليقين في هذا الترتيب تجعل الأمر شاقاً ; كما أنها تجعل النتائج التي يتوصل إليها تقريبية ظنية , وليست نهائية يقينية . . وقد تترتب على هذه النتائج الظنية التقريبية نتائج أخرى خطيرة . . لذلك آثرت في هذه الظلال أن أعرض القرآن بترتيب سوره في المصحف العثماني ; مع محاولة الإلمام بالملابسات التاريخية لكل سورة - على وجه الإجمال والترجيح - والاستئناس بهذا في إيضاح الجو والملابسات المحيطة بالنص - على وجه الإجمال والترجيح أيضاً - على النحو الذي سبق في التعريف بالسور الماضية في هذه الطبعة الجديدة من الظلال . . وعلى هذا النحو نمضي - بعون الله - في هذه السورة . .
نزلت سورة الأنفال التي نعرض لها هنا بعد سورة البقرة . . نزلت في غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان من العام الثاني للهجرة بعد تسعة عشر شهراً من الهجرة على الأرجح . . ولكن القول بأن هذه السورة نزلت بعد سورة البقرة لا يمثل حقيقة نهائية . فسورة البقرة لم تنزل دفعة واحدة ; بل أن منها ما نزل في أوائل العهد بالمدينة , ومنها ما نزل في أواخر هذا العهد . وبين هذه الأوائل وهذه الأواخر نحو تسع سنوات ! ومن المؤكد أن سورة الأنفال نزلت بين هذين الموعدين ; وأن سورة البقرة قبلها وبعدها ظلت مفتوحة ; تنزل الآيات ذوات العدد منها بين هذين الموعدين ; وتضم إليها وفق الأمر النبوي التوقيفي . ولكن المعول عليه في قولهم:إن هذه السورة نزلت بعد هذه السورة , هو نزول أوائل السور . كما ذكرنا ذلك في التعريف بسورة البقرة .
وفي بعض الروايات أن الآيات من 30 إلى غاية 36 من سورة الأنفال مكية . . وهي هذه الآيات:
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك . ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين . وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا:قد سمعنا . لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين . وإذ قالوا:اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء , أو ائتنا بعذاب أليم . وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم , وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون . وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام , وما كانوا أولياءه , إن أولياؤه إلا المتقون , ولكن أكثرهم لايعلمون . وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية , فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون . إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله , فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون , والذين كفروا إلى جهنم يحشرون . .
ولعل الذي دعا أصحاب هذه الروايات إلى القول بمكية هذه الآيات أنها تتحدث عن أمور كانت في مكة قبل الهجرة . . ولكن هذا ليس بسبب . . فإن هناك كثيراً من الآيات المدنية تتحدث عن أمور كانت في مكة قبل الهجرة . وفي هذه السورة نفسها آية:26 قبل هذه الآيات تتحدث عن مثل هذا الشأن:
(واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض , تخافون أن يتخطفكم الناس , فآواكم وأيدكم بنصره , ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون). .
كما أن الآية:36 وهي الأخيرة من تلك الآيات تتحدث عن أمر كان بعد بدر , خاص بإنفاق المشركين أموالهم للتجهيز لغزوة أحد:
(إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله . فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة , ثم يغلبون , والذين كفروا إلى جهنم يحشرون). .
والروايات التي تذكر أن هذه الآيات مكية ذكرت في سبب النزول مناسبة هي محل اعتراض . فقد جاء فيها:أن أبا طالب قال لرسول الله [ ص ] ما يأتمر به قومك ? قال:يريدون أن يسحروني ويقتلوني ويخرجوني ! فقال:من أخبرك بهذا ? قال:ربي . قال:نعم الرب ربك . فاستوص به خيراً ! فقال رسول الله [ ص ]:أنا استوصي به ! بل هو يستوصي بي خيراً ! فنزلت: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك). . الآية . .
وقد ذكر ابن كثير هذه الرواية واعترض عليها بقوله:" وذكر أبي طالب في هذا غريب جداً , بل منكر . لأن هذه الآية مدنية . ثم إن هذه القصة , واجتماع قريش على هذا الائتمار , والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل , إنما كانت ليلة الهجرة سواء . وذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين . لما تمكنوا منه واجترأوا عليه بسبب موت عمه أبي طالب , الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه " . .
وقد ذكر ابن إسحاق . عن عبد الله ابن أبي نجيح . عن مجاهد . عن ابن عباس - وعنه كذلك من طريق آخر - حديثاً طويلاً عن تبييت قريش ومكرهم هذا , جاء في نهايته قوله:" . . وأذن الله له عند ذلك بالخروج , وأنزل عليه - بعد قدومه المدينة - "الأنفال" يذكره نعمه عليه , وبلاءه عنده وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك , ويمكرون ويمكر الله . والله خير الماكرين)" . .
وهذه الرواية عن ابن عباس - رضي الله عنهما - هي التي تتفق مع السياق القرآني قبل هذه الآيات وبعدها . من تذكير الله سبحانه لنبيه [ ص ] وللمؤمنين بما أسلف إليهم من فضله ; في معرض تحريضهم على الجهاد في سبيل الله والاستجابة لما يدعوهم إليه منه والثبات يوم الزحف . . إلى آخر ما تعالجه السورة من هذاالأمر كما سنبين . . والقول بأن هذه الآيات مدنية كالسورة كلها هو الأولى
وبعد , فإنه من أجل مثل هذه الملابسات في الروايات الواردة عن أسباب النزول , آثرنا المنهج الذي جرينا عليه في عرض القرآن الكريم كما هو ترتيب السور في مصحف عثمان - رضي الله عنه - لا وفق ترتيب النزول الذي لا سبيل اليوم فيه إلى يقين . . مع محاولة الاستئناس بأسباب النزول وملابساته قدر ما يستطاع .
والله المستعان . .
هذه السورة نزلت في غزوة بدر الكبرى . . وغزوة بدر - بملابساتها وبما ترتب عليها في تاريخ الحركة الإسلامية وفي التاريخ البشري جملة - تقوم معلماً ضخماً في طريق تلك الحركة وفي طريق هذا التاريخ .
وقد سمى الله - سبحانه - يومها (يوم الفرقان يوم التقى الجمعان). . كما أنه جعلها مفرق الطريق بين الناس في الآخرة كذلك لا في هذه الأرض وحدها ; ولا في التاريخ البشري على هذه الأرض في الحياة الدنيا وحدها . فقال سبحانه هذان خصمان اختصموا في ربهم:فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار , يصب من فوق رؤوسهم الحميم , يصهر به ما في بطونهم والجلود . ولهم مقامع من حديد . كلما أرادوا أن يخرجوا منها - من غم - أعيدوا فيها , وذوقوا عذاب الحريق . . إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير . وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد . .). . [ الحج:19 - 24 ] وقد ورد أن هذه الآيات نزلت في الفريقين اللذين التقيا يوم بدر . . يوم الفرقان . . لا في الدنيا وحدها , ولا في التاريخ البشري على الأرض وحدها ; ولكن كذلك في الآخرة وفي الأبد الطويل . . وتكفي هذه الشهادة من الجليل - سبحانه - لتصوير ذلك اليوم وتقديره . . وسنعرف شيئاً من قيمة هذا اليوم , حين نستعرض الوقعة وملابساتها ونتائجها . .
ومع كل عظمة هذه الغزوة , فإن قيمتها لا تتضح أبعادها الحقيقية إلا حين نعرف طبيعتها وحين نراها حلقة من حلقات "الجهاد في الإسلام" , وحين ندرك بواعث هذا الجهاد وأهدافه . كذلك نحن لا ندرك طبيعة "الجهاد في الإسلام" وبواعثه وأهدافه , قبل أن نعرف طبيعة هذا الدين ذاته . .
لقد لخص الإمام ابن القيم سياق الجهاد في الإسلام في "زاد المعاد" , في الفصل الذي عقده باسم:"فصل في ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقين من حين بعث إلى حين لقي الله عز وجل:أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى:أن يقرأ باسم ربه الذي خلق . وذلك أول نبوته . فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ . ثم أنزل عليه يا أيها المدثر . قم فأنذر)فنبأه بقولهاقرأ)وأرسله ب(يا أيها المدثر). ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين . ثم أنذر قومه . ثم أنذر من حولهم من العرب . ثم أنذر العرب قاطبة . ثم أنذر العالمين . فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ; ويؤمر بالكف والصبر والصفح . ثم أذن له في الهجرة , وأذن له في القتال . ثم أمره أن يقاتل من قاتله , ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله . ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله . . ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام:أهل صلح وهدنة . وأهل حرب . وأهل ذمة . فأمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم , وأن يوفي لهم به ما استقاموا على العهد ; فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد . وأمر أن يقاتل من نقض عهده . .
جزاك الله خيرا اخي الكريم تقبل تحياتي | |
| | | ابو احمد **//نائب المدير**//**
عدد المساهمات : 6783 تاريخ التسجيل : 27/12/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول الجمعة نوفمبر 09, 2012 7:02 am | |
| | |
| | | | تفسير سورة الأنفال 1 في ظلال القرآن سيد قطب /الجزء الاول | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
المواضيع الأخيرة | » حتى لا يسقطَ منتداكمالأحد يوليو 11, 2021 10:39 am من طرف mazen» البحث عن الروح الأربعاء يونيو 09, 2021 3:23 pm من طرف mazen» البحث عن الروح الأربعاء يونيو 09, 2021 3:03 pm من طرف mazen» عودة وبحث عن أحباءالأربعاء يونيو 09, 2021 12:32 pm من طرف mazen» انثى الكبرياءالأحد يوليو 02, 2017 11:53 am من طرف عسل العرب» صور نادرة لحيوانات "أعداء" أثناء غفوتهاالثلاثاء أبريل 14, 2015 3:27 pm من طرف saly abdo» هل كلمة أسف تمحي الجرح!الجمعة أبريل 10, 2015 6:28 am من طرف saly abdo» حلم وكيدياالخميس أبريل 09, 2015 3:38 pm من طرف عسل العرب» صفي الله ياعلم الرشادالخميس أبريل 09, 2015 3:23 pm من طرف عسل العرب» القصة التي ضحك منها سليمان عليه السلام عاما كاملاالخميس أبريل 09, 2015 3:13 pm من طرف عسل العرب |
|