الحمد لله وكفى ؛ والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ؛ وبعد :
فمن باب التذكير والتحذير من خطر نسبة حديث ضعيف إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - أحببت أن أذكر هذا الحديث وأُذَكِّـــر بــ : أنه حديث ضعيف لم يثبت سندُه .
ويا للأسف ! وجدت بعض المشايخ الأفاضل ينسبه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(( نص الحديث ))
يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة ، و قيام ليله تطوعا ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، و من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر ، و الصبر ثوابه الجنة ، و شهر المواساة ، و شهر يزاد فيه في رزق المؤمن ، و من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه ، و عتق رقبته من النار ، و كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء .
قالوا : يا رسول الله ! ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم .
قال : يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن ، أو تمرة ، أو شربة من ماء ، و من أشبع (1) صائما سقاه الله من الحوض شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة ، و هو شهر أوله رحمة ، و وسطه مغفرة ، و آخره عتق من النار ، فاستكثروا فيه من أربع خصال ، خصلتان ترضون بهما ربكم ، و خصلتان لا غنى بكم عنهما ، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله ، و تستغفرونه ، و أما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما ، فتسألون الجنة ، وتعوذون من النار " .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله في ( السلسلة الضعيفة ) (2/262-264): منكر .
رواه المحاملي في " الأمالي " ( ج 5 رقم 50 ) و ابن خزيمة في " صحيحه " ( 1887 ) و قال : " إن صح " ، و الواحدي في " الوسيط " ( 1 / 640 / 1 -2 ) و السياق له عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي قال :
خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر يوم من شعبان فقال : فذكره .
قلت: و هذا سند ضعيف من أجل علي بن زيد بن جدعان ؛ فإنه ضعيف كما قال أحمد وغيره ، و بين السبب الإمام ابن خزيمة فقال : " لا أحتج به لسوء حفظه " . و لذلك لما روى هذا الحديث في صحيحه قرنه بقوله : " إن صح الخبر " . و أقره المنذري في " الترغيب " ( 2 / 67 ) و قال : إن البيهقي رواه من طريقه . قلت : و في إخراج ابن خزيمة لمثل هذا الحديث في " صحيحه " إشارة قوية إلى أنه قد يورد فيه ما ليس صحيحا عنده منبها عليه ، و قد جهل هذه الحقيقة بعض من ألف في " نصرة الخلفاء الراشدين و الصحابة " ، و فيهم من وصفوه على ظهر الغلاف بقولهم : " و خرج أحاديثها العالم الفاضل المحقق خادم الحديث الشريف ..... " فقالوا ( ص 34 القسم الثاني ) : " رواه ابن خزيمة في صحيحه ، و صححه " ! و هذا يقال فيما إذا لم يقفوا على كلمة ابن خزيمة عقب الحديث ، أما إذا كانوا قد وقفوا عليها ، فهو كذب مكشوف على ابن خزيمة ! و ليس هذا بالغريب منهم فرسالتهم هذه كسابقتها محشوة بالبهت و الافتراء الذي لا حدود له ؛ مما يعد الاشتغال بالرد عليهم إضاعة للوقت مع أناس لا ينفع فيهم التذكير ! و حسبنا على ذلك مثال واحد قالوا ( ص د ) :
" فهو يعترف من جديد بصحة رواية صلاة التراويح بعشرين ركعة الثابتة من فعل عمر – رضي الله عنه - وجمع الناس عليها بعد أن كان ينكرها ، فها هو يقول في صفحة ( 259 من رسالته الثانية من تسديد الإصابة " : " و حمل فعل عمر - رضي الله عنه - على موافقة سنته - صلى الله عليه وسلم - أولى من حمله على مخالفتها " . فإذا رجع القاريء إلى قولنا هذا وجده مقولا في ترجيح رواية الثمان على العشرين هذا الترجيح الذي ألفت الرسالة كلها من أجله ، و مع ذلك يجهرون بقولهم أنني اعترفت من جديد بصحة العشرين ! و صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال : " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " . و لقد أصدروا رسالتهم هذه الثانية في هذا الشهر المبارك الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه " ! رواه البخاري و غيره( 2) .
ثم إن الحديث قال ابن أبي حاتم في " العلل " ( 1 / 249 ) عن أبيه أنه :
" حديث منكر ".
الحواشي :
(1) وقع في " الترغيب " ( 2 / 67 ) برواية أبي الشيخ : " و من سقى صائما " والصواب ما أثبتنا كما جزم بذلك الناجي ، انظر " التعليق الرغيب " .
(2) وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 2045 ) . اهـ .
قلت ( أشرف ) : وللشيخ علي الحلبي – حفظه الله – جزء حديثي في تضعيف هذا الحديث بعنوان ( تنقيح الأنظار بضعف حديث : رمضان : اوله مغفرة وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ) . طبعت عن دار المسير / الرياض / الطبعة الأولى (1418هجرية ) .
وللشيخ أبي عبد الرحمان الظاهري – حفظه الله – جزء حديثي بعنوان ( البرهان على تحسين حديث سلمان ) ذهب فيه إلى تحسين الحديث ، ولم يصب في ذلك .
وقد رد عليه الشيخ علي الحلبي – حفظه الله - وناقشه فيما ذهب إليه برسالة أسماها ( أوضح البيان في جرح علي بن زيد بن جُدعان ومناقشية العلامة الظاهري أبي عبد الرحمان في رسالته " البرهان " ) طبعت مع رسالة ( تنقيح الأنظار ... ) .
وكذا للشيخ علي رضا – حفظه الله - جزء حديثي في مناقشة أبي عبد الرحمان الظاهري – حفظه الله – ولا أعلم عنه شيئا .
فائدة: ذكر الشيخ علي الحلبي – حفظه الله - في رسالة ( تنقيح الأنظار .. ) ص(: أن المحدِّثين والمصنفين أطبقوا على رد هذه الرواية وعدم قبولها .
أما لفظ ( أول شهر رمضان رحمة و أوسطه مغفرة و آخره عتق من النار )
فقد قال عنه الشيخ الألباني – رحمه الله - في " السلسلة الضعيفة " (4/70/ 1569) : منكر . أخرجه العقيلي في " الضعفاء " ( 172 ) و ابن عدي ( 165 / 1 ) والخطيب في " الموضح " ( 2 / 77 ) و الديلمي ( 1 / 1 / 10 - 11 ) و ابن عساكر (8 / 506 / 1 ) عن سلام بن سوار عن مسلمة بن الصلت عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . و قال العقيلي :
" لا أصل له من حديث الزهري ".
قلت: وقال ابن عدي :
" و سلام ( ابن سليمان بن سوار ) هو عندي منكر الحديث ، و مسلمة ليس بالمعروف " .
و كذا قال الذهبي .
و مسلمة قد قال فيه أبو حاتم :
" متروك الحديث " كما في ترجمته من " الميزان " ، و يأتي له حديث آخر برقم ( 1580 ) . اهـ .
وانظر موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة ) للشيخ علي وزملائه (3/290) رقم (6994) ؛ وأحالوا على ذخيرة الحفاظ (2148) و ضعيف الجامع (2135) والضعيفة (1569) .
وسئل شيخنا الشيخ مشهور آل سلمان – حفظه الله - : بعض الناس يذكرون في فضائل رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ؟
فأجاب : هذا حديث لم يصح ولم يثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - على الرغم من شهرته ؛ الشهرة اللغوية ، لا الاصطلاحية .
.
والله الموفق