$!مصراوى!$ =/= عضو موقـوف =/=
عدد المساهمات : 3050 تاريخ التسجيل : 14/12/2009 العمر : 41 الموقع : www.yahoo.com
| موضوع: سبع وسبعون فائدة شرعية وتربوية من حديث واحد الخميس مايو 13, 2010 8:18 am | |
| [center][center][size=24] [center][b][size=12][center][b]سبع وسبعون فائدة شرعية وتربوية من حديث واحد
دعونا نتفيؤ معاً ظلال حديث شريف من معين النبوة الصادقة؛ يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمانيةٌ من أصحابه الكرام - رضي الله عنهم -، وهم: عمر بن الخطاب، وولده عبد الله، وأبو هريرة، وأبو ذر الغِفاري، وعبدُ الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبو عامر الأشعري، وجرير بن عبد الله البجلي، وعنهم خلق كثير، حتى عدّه صاحب " نظم المتناثر "(1) من المتواتر. هذا الحديث، هو حديث سؤال جبريل - عليه السلام - النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان والإحسان. وهو حديث عظيم القدر، غزير الفائدة، ويعتبر من جوامع كَلِمِه - عليه الصلاة والسلام -. وجوامع الكلم: [GLOW="FFFF00"] هي الكلمات اليسيرة التي تنطوي على المعاني الكثيرة العظيمة. مثل هذا الحديث الذي نحن بصدده، ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم - " الدين النصيحة "(2)، وقوله " احفظ الله يحفظك "(3)، وقوله " اتق الله حيثما كنت "(4)، وقوله " الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات "(5)، وقوله " إذا لم تستح فاصنع ما شئت"(6)، وقوله " إن الله كتب الإحسان على كل شيء"(7)، وقوله " إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبا "([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]، وقوله " حفت الجنّة بالمكاره والنار بالشهوات"(9)، وقوله " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "(10)، وقوله " إنما الأعمال بالنيّات "(11)، وقوله " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ "(12)، وقوله " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "(13)، وقوله " لا ضرر ولا ضرار "(14)، وقوله " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "(15)، وقوله " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "(16)...وغيرها. ومثل هذه الأحاديث جاءت الإشارة إليها في الحديث الذي يرويه أبو هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: " فضلت على الأنبياء بست؛ أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون "(17). وقد جمع الإمام النووي منها اثنين وأربعين حديثا في جزء سمّي باسمه " الأربعون النووية " وله شرح عليه، وزاد الحافظ ابن رجب الحنبلي عليها ثمانية أحاديث، ثم شرحها في كتاب رائع أسماه " جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلِم ". ولنصغي أولا ـ بأسماع قلوبنا ـ إلى الخليفة العادل أمير المؤمنين الفاروقِ عمرَ وهو يروي لنا هذا الحديث العظيم الذي يعتبر من أصول الإسلام: أخرج الإمام مسلمٌ في صحيحه(17أ) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا "، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: " أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " قال: فأخبرني عن أمارتها؟ قال: " أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء؛ يتطاولون في البنيان "، قال: ثم انطلق، فلبثت مليا، ثم قال لي: " يا عمر أتدري من السائل؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ". ولنستمع الآن إلى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - ـ وهو ما رواه الإمام البخاري في الإيمان رقم (50) وفي التفسير رقم (4777)، ومسلم في الإيمان رقم (9) عَنْهُ ـ قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل، فقال: ما الإيمان؟ قال: " الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث "، قال: ما الإسلام؟ قال: " الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان "، قال: ما الإحسان؟ قال: " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "، قال: متى الساعة؟ قال: " ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله "، ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - {إن الله عنده علم الساعة} الآية، ثم أدبر، فقال: " ردوه " فلم يروا شيئا، فقال: " هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم ". قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ ـ يعني البخاري ـ: جَعَلَ ذَلِك كُلَّهُ مِنْ الإِيمَانِ.
أهمية الحديث: قال ابن دقيق العيد: هذا حديث عظيم اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه؛ لما تضمنه من جمعه علم السنة، فهو كالأم للسُّنة؛ كما سميت الفاتحة " أم القرآن "؛ لما تضمنه من جمعها معاني القرآن(18). وسيأتي لهذا مزيدُ بيان في ختام مسرد الفوائد إن شاء الله - تعالى -.
مفردات الحديث: "ووضع كفيه على فخذيه": أي فخذي نفسه كهيئة المتأدب. وفي رواية النسائي: "فوضع يديه على ركبتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ". "فعجبنا له يسأله ويصدقه": أي أصابنا العجب من حاله، وهو يسأل سؤال العارف المحقق المصدق. أو عجبنا لأن سؤاله يدل على جهله بالمسؤول عنه، وتصديقه يدل على علمه به. "أماراتها": بفتح الهمزة جمع أمارة: وهي العلامة. والمراد علاماتها التي تسبق قيامها. "أن تلد الأمة ربتها": أي سيدتها. وسيأتي بيانه (انظر الفائدة رقم 35). "العالة": جمع عائل، وهو الفقير. "فلبثتُ ملياً": انتظرتُ وقتاً طويلاً (18أ).
فوائد الحديث: (1) الإيمان قول وعمل ونيّة. فهو قول باللسان، وتصديق بالجَنَان (اعتقاد جازم بالقلب)، وعمل بالأركان (يعني الجوارح)، وهذه كلها اشتمل عليها هذا الحديث. (2) وجاء في بعض روايات هذا الحديث(18ب) في أوله: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو، فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، قال: فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه ". استنبط منه الإمام القرطبي استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه. (3) وفيه إجابة السائل بأكثر مما سأل. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أجاب السائل عن الساعة؟ بجواب جامع " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " لم يكتف بذلك وإنما زاده أن بين له بعض أماراتها، فقال " وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الأَمَةُ رَبَّتهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ "، ثُمَّ تَلا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}الآيَةَ. وحديث عمر هذا يرويه عنه ولدُهُ عبدُ الله: فعن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال حدثني أبي عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إذ طلع علينا رجل.... فذكر الحديث (17أ). ولقد تضمن الجواب زيادة على السؤال للاهتمام بذلك إرشادا للأمة لما يترتب على معرفة ذلك من المصلحة. أنت ترى أنهم سألوه عن علم الله، وعن القَدَرِ؟ فكان يكفيه أن يبيّن لهم معنى الإيمان، وأن القَدَرَ من الإيمان. لكنه أخبره عن معنى الإيمان والإسلام والإحسان وغير ذلك. وليس في هذا خروج عن النهج السَّويِّ لعلم ابن عمر مدى ترابط هذه الأصول الثلاثة، والواجب معرفتها جميعا. ودليل فعل ابن عمر من السنة: ما جاء عن أبي هريرة قال: سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته"(19). (4) السؤال عن العلم النافع في الدنيا والآخرة، وترك السؤال عما لا فائدة فيه. (5) قال القاضي عياض (20): " وفي جملة حديث السائل من الفقه... أمر العالم الناس سؤاله عما يحتاجون إليه ليُبيّنه لهم، وأنهم إن لم يحسنوا السؤال ابتدأ التعليم من قبل نفسه؛ كما فعل جبريل، أو يجعل من يسأل فيجيب بما يلزمهم علمه ". (6) التعليم عن طريق السؤال: طريقة السؤال والجواب، من الأساليب التربوية الناجحة قديماً وحديثاً، وقد تكررت في تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في كثير من الأحاديث النبوية؛ لما فيها من لفت انتباه السامعين وإعداد أذهانهم لتلقي الجواب الصحيح. كما ينبغي لمن حضر مجلس علم، ورأى أن الحاضرين بحاجة إلى معرفة مسألة ما، ولم يسأل عنها أحد، أن يسأل هو عنها ـ وإن كان هو يعلمها ـ لينتفع أهل المجلس بالجواب. فقد كان غرض جبريلَ - عليه السلام - من أسئلته هذه أن يتعلم المسلمون، وهذا ما بينه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أتاكم يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. وفي رواية أبي هريرة عند البخاري ومسلم: هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا. وهذا الأسلوب يعتبر من أبرز الأساليب التي اتبعها سيدُنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعليم الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -. ونضرب مثالا: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار "(21). مثالٌ آخر: وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " تدرون من المسلم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قال: " تدرون من المؤمن؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، والمهاجر من هجر السوء؛ فاجتنبه "(22). مثالٌ آخر: وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هي النخلة. قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا "(23). (7) وفي قوله " حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه " دليل على لزوم تأدب المتعلم بين يدي من يتعلم منه. ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول من التواضع والصفح عما يبدو من جفاء السائل؛ لصنيعه المتقدم في جلوسه، ولتخطيه الرقاب حتى جلس إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولكونه ناداه باسمه مادا صوته. (9) وفيه أنه ينبغي للعالم أن يرفق بالسائل ويُدْنِيه منه ليتمكن من سؤاله غير هائب ولا منقبض، قاله النووي (28). قال الحافظ ابن حجر في الفتح (24): ثبت في رواية أبي فروة(25) ففيها بعد قوله كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط فقال: السلام عليك يا محمد، فرد - عليه السلام -. قال: أدنو يا محمد؟ قال: أدن. فما زال يقول أدنو مرارا ويقول له أدن. ونحوه في رواية عطاء بن السائب عن يحيى بن يعمر (26) لكن قال: السلام عليك يا رسول الله. وفي رواية مطر الوراق (27) فقال: يا رسول الله أدنو منك؟ قال: أدنو.. (10) وقال النووي أيضا (28): " وينبغي للسائل حسن الأدب بين يدي معلمه، وأن يرفق في سؤاله. قلت: يشهد لهذا ما في رواية عطاء بن السائب عن يحيى بن يعمر عند المروزي (29)، فقال أدنو يا رسول الله قال نعم فدنا ثم قام فتعجبنا لتوقيره رسول الله ثم قال أدنو يا رسول الله قال نعم فدنا حتى وضع فخذه على فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن ابن عمر عند أحمد (30): " ما رأينا رجلا أشد توقيرا لرسول الله من هذا ". (11-14) في هذا الحديث دليل على مشروعية الصلاة والصوم والزكاة والحج. (15)وفي قوله: "وتصوم رمضان" دليل على جواز قول رمضان من غير إضافة شهر إليه(31). (16-21) وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره حُلْوِه ومُرِّه من الله - تعالى -. وقد بيّن الحافظ ابن حجر معانيها في الفتح (31)، فكان من جملة ما قال: " والإيمان بالله هو التصديق بوجوده وأنه متصف بصفات الكمال منـزّه عن صفات النقص. والإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وأنهم كما وصفهم الله - تعالى -{عباد مكرمون}(32) وقدم الملائكة على الكتب والرسل نظرا للترتيب الواقع، لأنه - سبحانه وتعالى - أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول. والإيمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وأن ما تضمنته حق. والإيمان بالرسل التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله. وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة، والمراد بالإيمان به والتصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار. وأما الإيمان بالقدر فالمراد به أن الله - تعالى -علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته، هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية، وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين، إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة، وكان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني ". (22) قوله: (وبلقائه) قيل: المراد باللقاء رؤية الله، ذكره الخطابي. وتعقبه النووي بأن أحدا لا يقطع لنفسه برؤية الله، فإنها مختصة بمن مات مؤمنا، والمرء لا يدري بم يختم له، فكيف يكون ذلك من شروط الإيمان؟ وأجيب بأن المراد الإيمان بأن ذلك حق في نفس الأمر، وهذا من الأدلة القوية لأهل السنة في إثبات رؤية الله - تعالى -في الآخرة إذ جعلت من قواعد الإيمان (31). (23) وكأن الحكمة في إعادة لفظ " وتؤمن " عند ذكر البعث الإشارة إلى أنه نوع آخر مما يؤمن به، لأن البعث سيوجد بعد، وما ذكر قبله موجود الآن، وللتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار، ولهذا كثر تكراره في القرآن (31). (24) وهكذا الحكمة في إعادة لفظ " وتؤمن " عند ذكر القدر كأنها إشارة إلى ما يقع فيه من الاختلاف، فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن، ثم قرره بالإبدال بقوله " خيره وشره "، ثم زاده تأكيدا بقوله في رواية أخرى " من الله " (31). (25) ودل الإجمال في الملائكة والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم من غير تفصيل، إلا من ثبت تسميته فيجب الإيمان به على التعيين (31). (26) ظاهر السياق يقتضي أن الإيمان لا يطلق إلا على من صدق بجميع ما ذكر (31). فلا يصح إيمان من فاته أحدُ هذه الأركان، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عندما سأله جبريل عن معنى الإيمان لم يجتزئ بذكر بعضها، وإنما ذكرها أجمع، وفي هذا دليل على كُليّة الإيمان؛ أي أنه كلٌّ لا يتجزأ. يعنى أن من آمن بالله، ولم يؤمن بالرسل ولم يصدقهم، لا يصح إيمانه ولا يعتبر مؤمنا. ومن آمن بالملائكة، ولم يؤمن باليوم الآخر، لا يعتبر مؤمنا. وإنما يكون مؤمنا إذا جمع الإيمان بالأركان كلها. (27) قال الحافظ ابن حجر (31): " جاء في رواية البخاري: السؤال عن الإيمان أولا؛ قيل: قدم السؤال عن الإيمان لأنه الأصل، وثنى بالإسلام لأنه يظهر مصداق الدعوى، وثلث بالإحسان لأنه متعلق بهما. وقيل في رواية مسلم: بدأ بالإسلام؛ لأنه بالأمر الظاهر وثنى بالإيمان لأنه بالأمر الباطن. ورجح هذا الطيبي لما فيه من الترقي (31). قال الحافظ: " ولا شك أن القصة واحدة اختلف الرواة في تأديتها، وليس في السياق ترتيب، ويدل عليه رواية مطر الوراق [أحد رواته] فإنه بدأ بالإسلام وثنى بالإحسان وثلث بالإيمان، فالحق أن الواقع أمر واحد، والتقديم والتأخير وقع من الرواة. والله أعلم. (28) في الحديث دلالة على وجوب إخلاص العمل، وأن نبتغي به وجه الله - تعالى -، ويؤخذ من بيانه لمعنى الإحسان: " أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ". (29) وفي قوله: " أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ " بيان للزوم مراعاة آداب العبودية لله - تعالى -. قال النووي: معناه أنك إنما تراعى الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك، لكونه يراك لا لكونك تراه فهو دائما يراك، فأحسن عبادته وإن لم تره، فتقدير الحديث: فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك. قال: وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين، وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين، وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنـز العارفين ودأب الصالحين، وهو من جوامع الكلم التي أوتيها - صلى الله عليه وسلم -، وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشيء من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم، فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته؟ (30) قال الحافظ ابن حجر (31): ودل سياق الحديث على أن رؤية الله في الدنيا بالأبصار غير واقعة، وأما رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - فذاك لدليل آخر، وقد صرح مسلم في روايته من حديث أبي أمامة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا". قلت: هكذا وقع عنده عن أبي أمامة، وما في كتاب مسلم (2931) إنما هو عن عمر بن ثابت الأنصاري عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا، ولفظه: " قال تَعلَّموا أنه لن يرى أحد منكم ربه - عز وجل - حتى يموت " وإنما هو من حديث أبي أمامة عند ابن خزيمة في صحيحه، وابن ماجه في سننه: في الفتن برقم (4077)، ورواه من حديث عمر بن ثابت الترمذي في الفتن (2235)، وأحمد في المسند برقم (23160). ورواه أحمد في المسند برقم (22258) وأبو داود في الفتن باب خروج الدجال برقم (4320)، من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -. ولقد تتبعت مرويات أبي أمامة في صحيح الإمام مسلم فوجدتها ستة أحاديث وليس فيها هذا الذي ذكره الإمام الحافظ. ولعل الحافظ ثبت عنده أن هذا المبهم هو أبو أمامة. وغالب ظنّي أن ما ذَكره هو في إحدى نسخ الصحيح التي يرويها الحافظ بإسناده إلى الإمام مسلم. وإنما أرجح هذا؛ لأن الحافظ عزى الحديث إلى صحيح مسلم مرارا، فقد قال عند شرح الحديث رقم (4855): " ووقع في صحيح مسلم ما يؤيد هذه التفرقة في حديث مرفوع، فيه: [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] وأخرجه ابن خزيمة أيضا من حديث أبي أمامة ومن حديث عبادة بن الصامت ". وقال عند شرح الحديث رقم (6507): " وقد ورد بأصرح من هذا في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة ـ مرفوعا، في حديث طويل ـ وفيه: [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا]. وقال عند شرح الحديث رقم (6574): " وقد أخرج مسلم من حديث أبي أمامة، فذكره. وقال عند شرح الحديث رقم (7068): " وقد ثبت في صحيح مسلم في حديث آخر [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا]. فليس هذا من قبيل الوهم. (31) وفي الحديث وجوب مراقبة الله - تعالى -. قال - تعالى -{واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه}(33). وقال جل ثناؤه: {إن الله كان عليكم رقيبا}(34). وقال تقدست أسماؤه {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْءَانٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(35). (32) في قوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الساعة: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " خفاء وقت الساعة عن جميع الخلق، فعلمها عند الله، وهي من جملة ما استأثر الله بعلمه، ومفاتح الغيب خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللَّهُ - تعالى -، قال - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(36). وجاء عن ابن مسعود قال: أوتي نبيكم - صلى الله عليه وسلم - علم كل شيء سوى هذه الخمس (37). وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس {إن الله عنده علم الساعة، وينـزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}(38). وليس خفاؤها بنقص في علم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد أوتى نبينا - صلى الله عليه وسلم - علم الأولين وعلم الآخرين. وإذا كان آدم - عليه السلام - قد عُلم أسماء جميع الأشياء كما في قوله - تعالى -{وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة... } (39) فإن سيدَنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد علمه الله مُسَمَّيَاتِها. وصدق البوصيري عندما قال: وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الدِّيَمِ (39أ) (33) في قوله " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " دليل على جواز التعريض في الكلام؛ فقد عدل عن قوله لست بأعلم بها منك إلى لفظ يشعر بالتعميم تعريضا للسامعين، أي أن كل مسئول وكل سائل فهو كذلك (31). (34) وفيه مُستند لمن قال (إن أقل الجمع اثنان)(39ب) فإنه لما قَالَ له جبريل - عليه السلام -: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا " وذكر له أمارتين، وهما: " إِذَا وَلَدَتْ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ ". والصحيح أنّ المذكور من الأشراط ثلاثة. قال الحافظ ابن حجر: " وإنما بعض الرواة اقتصر على اثنين منها لأنه هنا ذكر الولادة والتطاول، وفي التفسير ذكر الولادة وترؤس الحفاة، وفي رواية محمد بن بشر التي أخرج مسلم إسنادها وساق ابن خزيمة لفظها عن أبي حيان ذكر الثلاثة، وكذا في مستخرج الإسماعيلي من طريق ابن علية، وكذا ذكرها عمارة بن القعقاع، ووقع مثل ذلك في حديث عمر، ففي رواية كهمس ذكر الولادة والتطاول فقط ووافقه عثمان بن غياث، وفي رواية سليمان التيمي ذكر الثلاثة ووافقه عطاء الخراساني، وكذا ذكرت في حديث ابن عباس وأبي عامر " (31). (35) فيه دلالة على فساد الزمن بين يدي الساعة، حيث تضعف الأخلاق، ويكثر عقوق الأولاد ومخالفتهم لآبائهم فيعاملونهم معاملة السيد لعبيده. وتنعكس الأمور وتختلط، حتى يصبح أسافل الناس ملوك الأمة ورؤساءها، وتسند الأمور لغير أهلها، ويكثر المال في أيدي الناس، ويكثر البذخ والسَّرف، ويتباهى الناس بعلو البنيان، وكثرة المتاع والأثاث، ويُتعالى على الخلق ويملك أمرهم من كانوا في فقر وبؤس، يعيشون على إحسان الغير من البدو والرعاة وأشباههم. وفي معنى قوله: (إذا ولدت الأمة ربها) أقوال، منها: ما قاله الإمام الخطابي: معناه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبي ذراريهم، فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها لأنه ولد سيدها. قال النووي وغيره: إنه قول الأكثرين. قال الحافظ في الفتح (31): لكن في كونه المراد نظر؛ لأن استيلاد الإماء كان موجودا حين المقالة، والاستيلاء على بلاد الشرك وسبي ذراريهم واتخاذهم سراري وقع أكثره في صدر الإسلام، وسياق الكلام يقتضي الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة. ومنها: أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام. فأطلق عليه ربها مجازا لذلك. أو المراد بالرب المربي فيكون حقيقة. قال الحافظ ابن حجر: وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه، ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة. ومحصله الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور بحيث يصير المربي مربيا والسافل عاليا، وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى أن تصير الحفاة ملوك الأرض، وفي رواية " رؤوس الناس ". قال: ووصف الرعاة بالبهم لأنهم مجهولو الأنساب، ومنه أبهم الأمر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته. قلت: وهذا ملاحظ في ولاة أمور الأمّة ورعاتها، ومن يسوس أمرها؛ فإن فيهم من هو مجهول النسب، أو من يزعم الشرافة فيه. ويؤيد ذلك قوله في رواية الإمام أحمد في المسند (40)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (41) " قال: يا رسول الله ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: "العرب". وفي حديث [ أبي مالك، أو أبي عامر] قال: ومن أولئك يا رسول الله؟ قال: " العَريبُ ". (36) في قوله " أن تلد الأمة ربتها " وفي لفظ " ربّها " جواز إطلاق الرب على السيد المالك، أو المربي (31). (37-38) وفيه بيان قدرة الملك على التمثل بالصورة البشرية، وفيه أيضا جواز رؤية الملك أو سماع كلامه. قال الحافظ ابن حجر: " وفيه أن الملك يجوز أن يتمثل لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - فيراه ويتكلم بحضرته وهو يسمع، وقد ثبت عن عمران بن حصين أنه كان يسمع كلام الملائكة ". قال البيهقي: وروينا عن جماعة من الصحابة أن كل واحد رأى جبريل - عليه السلام - في صورة دحية الكلبي (42). وأخرج أحمد، والبخاري تعليقا، ومسلم، والنسائي، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسيد بن حضير أنه رأى شيئا كهيئة الظلة فيه مثل المصابيح مقبل من السماء. قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " تلك الملائكة دنت لصوتك ". وأخرج الحاكم مثله (43) وزاد: " إنك لو مضيت لرأيت العجائب ". وأخرج البخاري في الصحيح (44) حديث بناء البيت الحرام... وفيه فلمّا أشرفت ـ هاجر ـ على المروة، سمعت صوتا، فقالت: صه، تريد نفسها. ثم تسمعت، فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت، إن كان عندك غواث فأغث. فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال.. بجناحيه، حتى ظهر الماء... وفيه قال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ههنا بيتا لله، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيع أهله. قال الشيخ عبد الله صديق الغماري الحسني: وممّا يؤخذ من القصة أنّ الملك قد يظهر للشخص الصالح ويكلمه، فقد ظهر جبريل - عليه السلام - لهاجر، وكلّمها مبشرا لها بأنّ ابنها سيبني البيت مع أبيه وتلك كرامة أكرمها الله بها، ولم يصب من قال: أنها كانت نبية (45). وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده (46). وابن جرير في تفسيره، وأبو نعيم والبيهقي، كلاهما في دلائل النبوة، والطبراني (47) عن أبي أسيد الساعدي - رضي الله عنه - أنه قال بعدما عمي: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت علينا منه الملائكة عيانا لا أشك ولا أتمارى. قال ابن القيم: رؤية الملائكة والجن، تقع أحيانا لمن شاء الله أن يريه ذلك (48). (39) ردّ العلم إلى الله - تعالى -. وقد كان الصحابة الكرام إذا سُئلوا عن شيء لا يعلمونه، قالوا: الله ورسوله أعلم. وهذا أدب مع الله - تعالى -إذ يردون العلم إليه، وأدب مع رسوله - صلى الله عليه وسلم - إذ هو مصدر التلقي والمبلغ عن ربه - عز وجل -. ويظهر هذا في قول عمر عندما سأله النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قال: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو حينَ سأل رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: تَدْرُونَ مَنِ الْمُسْلِمُ؟... تَدْرُونَ مَنِ الْمُؤْمِنُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. وجاء في حديث اجتماع موسى بالخضر - عليهما السلام -: أن موسى - عليه السلام - قام خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بمجْمع الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعلَمُ منك، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ، فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ، فَانْطَلَقَ، وانطلق بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَحَمَلا حُوتًا فِي مِكْتَلٍ حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ.... الحديث (49). (40) وينبغي لمن سئل عن شيء لا يعلمه، أن يقول: لا أعلم، أو: لا أدري، ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته، بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه وتقواه. وقد كان علماء السلف يرون أن " لا أدري " نصف العلم. (41) وينبغي لمن أراد أن يستفهم عن أمور تنفعه أن يحسن اختيار السؤال. (42) قال ابن المنير: في قوله " يعلمكم دينكم " دلالة على أن السؤال الحسن يسمى علما وتعليما، لأن جبريل لم يصدر منه سوى السؤال، ومع ذلك فقد سماه معلما، وقد اشتهر قولهم: حسن السؤال نصف العلم، ويمكن أن يؤخذ من هذا الحديث لأن الفائدة فيه انبنت على السؤال والجواب معا (31). (43) الإيمان أعلى من الإسلام، والإحسان أعلى من الإيمان؛ فكل مؤمن مسلم، ولا ينعكس، قال - تعالى -{قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}(50). وكل محسن مسلم ومؤمن، وليس كل مؤمن محسنا، قال - تعالى -{وقليل من عبادي الشكور}(51)، وقال جل ثناؤه: {والسابقون السابقون أولئك المقربون} إلى قوله {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين}(52). (44) فيه دليل لمن قال: إن الإسلام يغاير الإيمان. والحق ـ كما قال علماؤنا ـ إن فيهما اجتماع وافتراق، وعموم وخصوص، فإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. يعنى إذا ذكرا في سياق واحد؛ كان بينهما تغاير في المعنى، وهذا مقتضى حديث جبريل - عليه السلام -، ولقوله - تعالى -{قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}. وإذا ذكر أحدهما في سياق؛ فإنه يتضمن معنى الآخر..... كقوله - تعالى -: {إن الدين عند الله الإسلام}(53). وقوله - سبحانه - {ورضيت لكم الإسلام دينا}(54). وأما اجتماعهما مع اتفاقهما في المعنى في قوله {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين}(55). فقد أجاب عنه الحافظ ابن كثير، فقال " اتفق الاسمان ههنا لخصوصية الحال ولا يلزم ذلك في كل حال (56). وقال ابن جزي الغرناطي: الإسلام معناه في اللغة الانقياد مطلقا ومعناه في الشريعة الانقياد لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - بالنطق باللسان والعمل بالجوارح، وأما الإيمان فمعناه في اللغة التصديق مطلقا ومعناه في الشريعة التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فالإسلام والإيمان على هذا متباينان؛ وعلى ذلك قوله - تعالى -{قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} وقد يستعملان مترادفين كقوله {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا بيت من المسلمين} وقد يستعملان متداخلين بالعموم والخصوص فيكون الإسلام أعم إذا كان الانقياد باللسان والقلب والجوارح؛ لأن الإيمان خاص بالقلب، ويكون الإيمان أعم إذا قلنا: إنه قول اللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح ـ وهو قول كثير من السلف ـ وإذا قلنا أن الإسلام باللسان والجوارح خاصة (57). (45) قوله - صلى الله عليه وسلم - " أتاكم يعلمكم دينكم " فيه أن الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها دينا (58). (46) استحباب حضور مجالس العلم على أحسن هيئة وأكملها، فقد جاء وصف السائل بكونه " شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر "، ووصفه في رواية البيهقي " أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا، كأن ثيابه لم يمسّها دنس "؛ وهذا دليل النظافة وحسن الهيئة (59). (47) جاء في رواية البخاري: " وسأخبرك عن أشراطها "، وله ولمسلم: " ولكن سأحدثك "، ولابن حبان (60): " ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها ". ويستفاد من اختلاف الروايات أن التحديث والإخبار والإنباء بمعنى واحد وإنما غاير بينها أهل الحديث اصطلاحا [قاله الحافظ في الفتح 1/148]. وقال البخاري في العلم: بَاب قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: " حَدَّثنا" وَ" أَخْبَرَنَا" وَ" أَنْبَأَنَا"، قال: وَقَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيينة حَدَّثنا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْتُ؛ وَاحِدًا... ". (48) وفيه بيان واضح ـ كما قال ابن حزم في الإحكام (61) ـ: أن كل خطاب منه - صلى الله عليه وسلم - لواحد فيما يفتيه به ويعلمه إياه؛ هو خطاب لجميع أمته إلى يوم القيامة، وتعليم منه - عليه السلام - لكل من يأتي إلى انقضاء الدنيا؛ لأن ذلك الحديث إنما خرج بلفظ تعليم الواحد في قوله - صلى الله عليه وسلم - " أن تعبد الله كأنك تراه " ويكفينا من هذا الحديث قوله - عليه السلام - أثر جوابه لجبريل - عليه السلام - إن هذا الذي ذكر تعليم لهم فأشار إلى الخطاب المتقدم للواحد. قال توفيق: إلى هنا ينتهي إيراد ما أفدته من كتب السنة وشروحها، وخاصة فتح الباري في صحيح البخاري ـ للحافظ ابن حجر في شرحه للحديث رقم (50)، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم عند شرحه للحديث رقم ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مع تصرف مني في بعضها لمزيد البيان، بالإضافة إلى بعض الفوائد الزوائد. وأضفت إلى ما تقدم من الفوائد ـ ولله الحمد والمنّة ـ ما يزيد على عشرين أخرى، فقلت: (49) فيه أن ليس للإمام أو نوابه، ولا للعالم أن يحتجبوا دون حاجات الناس ومصالحهم؛ لقوله: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بارزا يوما للناس). قال الحافظ ابن حجر: أي ظاهرا لهم غير محتجب عنهم ولا ملتبس بغيره، والبروز الظهور. (50) وفيه بيان تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد وقع في بعض روايات هذا الحديث في أوله: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو، فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، قال: فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه "(18ب). (51) قد يفهم من السياق أنه وضع كفيه على ركبتي النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد أورد الحافظ في الفتح من حديث ابن عباس، وحديث أبي عامر الأشعري رواية مصرحة بذلك. قلت: وفي هذا من الفوائد: أن على طالب العلم أن يبالغ في الإصغاء إلى معلمه، ولا ينصرف عنه بالشواغل؛ فإن وضع السائل ـ وهو جبريل - عليه السلام - ـ يديه على فخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - صنيع منبه للإصغاء إليه. (52) إن للدين ظاهر وباطن؛ فظاهره الإسلام، وهو الخضوع والانقياد وامتثال أوامر الله قولا وعملا، وباطنه الإيمان، وهو التصديق الجازم بالله وملائكته ورسله وسائر الأركان وأمور الإيمان، والإحسان هو ثمرة التحقق بهما معا، وهو حضور القلب في حضرة القرب، وهو الهداية إلى الصراط المستقيم التي تورثها منازل {إياك نعبد وإياك نستعين}. (53) وفيه: أن الذي يعلم من الخبر بداهة ـ أو يدل عليه سياق الكلام ـ لا إلزام في ذكره ويجوز حذفه للاختصار، فبعض الرواة ذكر أنه سلم لما دخل، وبعضهم لم يذكر السلام في روايته. (54) كلام العاقل يحمل على الحقيقة، لذا وقع الاستغراب من الصحابة من قول السائل " صدقت " وهو جواب العارف، ولم يعتبروه لغوا مع كونه ـ في الظاهر ـ يسأل ليعرف. (55) وقع في رواية سليمان التيمي عند ابن حبان " وأن تعتمر وتغتسل من الجنابة " وفيه مستمسك لمن قال بوجوب العمرة مع الحج، قاله الحافظ ابن حجر. قال أبو حاتم ابن حبان (62): تفرد سليمان التيمي بقوله خذوا عنه وبقوله تعتمر وتغتسل وتتم الوضوء. قلت: تابعه الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري عن يحيى بن يعمر ـ عند المروزي في تعظيم قدر الصلاة (63) ـ في بعضها، وهي قوله " وتغتسل من الجنابة ". (56) قد يقع الجواب مجملا ويكون كافيا في البيان لمن سبق لهم معرفة التفصيل، وقد أجاب نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام؟ فقال: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، وقال عن الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله... " وهذا وقع منه مجملا، وقد سماه (تعليما) في آخر الحديث. (57) في قول السائل " أخبرني عن الإسلام، وقوله " أخبرني عن الإيمان "... دليل على أن للسائل أن يزيد على سؤال واحد حتى يتحصل له الفهم، أو يستزيد من العلم.
[/center] [/size][/b][/center][/b][/center] [/size][/center] | |
|
ابو احمد **//نائب المدير**//**
عدد المساهمات : 6783 تاريخ التسجيل : 27/12/2009
| موضوع: رد: سبع وسبعون فائدة شرعية وتربوية من حديث واحد الخميس مايو 13, 2010 8:23 am | |
| جزااااااااااااااااك الله خير اخي محمد على كل هذا
وتقبل مروري المتواضع الفقير الى الله محمد
| |
|