قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم: 24، 25].
إنَّ ضرب الأمثال من أنفع الوسائل التَّعليمية، وأرْفع الأساليب التَّربوية؛ لِما فيه من إخْراج المعْنوي في صورة المحسوس، والبعيد المستوْحَش في صورة القريب المأنوس، ولمَّا لم يكن لأثر الكلمة جِسم يُقاس بالطول والعرض، أو يُوزن بالموازين، أو الحزر والفرض، ضرب الله لها مثلاً به يقرِّب معناها، وإن كانت أكبرَ وأعظم من أن تُحْصر في صورة محدودة متناهية الأبعاد، فصوَّرها في صورة شجرة طيبة، فيها من الشَّجرة: ظلُّها الوارف، وجمالُها الآسر، وعِطْرُها الفوَّاح، وذلك كلّه من لازم وصْفها بالطيب؛ {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة}، ولكنَّها تختلف عن الشجر في عطائها المستمرّ، واستقرارها في الأرض استقرارًا يبعد معه استِئْصالها، وشموخها في السَّماء شموخًا يدل على عزَّتها ورفعتها، وعطائها المستمر، كلّ ذلك بإذْن ربِّها؛ {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، إنَّها أبيَّة عزيزة يصعب على المقتلِع المتعدِّي اقتلاعها، وعلى الزَّواحف والحشرات النيل منها، فأصلُها ثابت وفرعها في السَّماء، لا تنال ثمارَها الحشرات والزَّواحف التي لا تعرف إلاَّ التِقاط السَّاقط.
ذلك - أخي القارئ - هو مثَل الكلِمة الطيِّبة وفعلها في النفوس، فهي تستقرّ في قرار النفوس، وتضرب في أعماقها، وتأخذ منها القرار المكين الَّذي لا تُزَحْزحه عواصف الدَّهر، ولا أعاصير الأحداث، ولا النزغات الشَّيطانيَّة العابرة؛ لذا كان من السنَّة في الإسلام أن تكون أوَّلَ ما يطرق سمعَ المولود، فيؤذَّن في أذنه اليُمنى ويُقام في اليسرى؛ لتستقرَّ في نفسِه كلمة التَّوحيد، وقيَم الإسلام: (أشهد ألاَّ إلهَ إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح).
الباقي بالالوكة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]