تفسير الرؤى والأحلام ملكة تحتاج إلى صدق ومراعاة أحوال الناس
تحقيق بندر الناصر
كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تفسير الأحلام والرؤى وانتشرت بشكل لافت للنظر وأصبح المتابعون لها في تزايد مستمر وقد يعود السبب للبث المباشر من القنوات الفضائية وبعض الصحف اليومية ومن خلال هذا التحقيق عن تفسير الأحلام والرؤى وهل هي مناسبة لكل شخص ومن الأجدر أن يقوم بها؟
هذا التحقيق مع الشيخ راشد الطيار والذي ذكر بأن تفسير الأحلام والرؤى هي موهبة وأن يكون على كثير من التقوى والورع والصدق.
كما كان الأستاذ فهد العصيمي يؤكد بأن تفسير الأحلام والرؤى هي فطرة عند البعض كيوسف عليه السلام، وأنه ليس هناك شروط محددة ولكن الأهم من ذلك ما هي المواصفات الصحيحة التي من المفترض أن يتصف بها مفسر الأحلام تساؤلات عدة تحتاج إجابة شافية نجدها بين طيات السطور التالية:
ففي البداية يقول الشيخ فهد العصيمي: ليس هناك شروط محددة ولكن لا شك أن البراعة في اللغة العربية، ومعرفة الآيات القرآنية، والحديث النبوي مما يزيد في براعة المعبر، كما أن معرفة أحوال الناس مما يفضل معرفته كذلك.
ويضيف هي فطرة عند البعض كيوسف عليه السلام، كما أنها ملكة عند البعض تنمى مع الممارسة والتعلم والتفرس، ولا شك أن الفراسة منها ما هو جبلي، مجبول عليه الشخص، ومنها ما هو يتعلم لكن استطيع أن أقول إن وجهة نظري في هذا الموضوع أن تعبير الرؤيا فراسة، ومهمة وملكة وعلم يتعلم فهي هذا كله، وتختلف البراعة فيها حسب المواهب التي عند الشخص المعبر.
ويقول العصيمي عن الذين يستعجلون في تفسير الرؤى: هذا راجع في رأيي للاستعجال من المعبر أو لكون القاص لرؤياه من الذين يكررون كلامهم، ويفضلون تفصيلاً زائداً عن الحاجة مما يفهم معه المعبر تعبير الرؤيا دون حاجة لكثرة الكلام ولا شك أن الناس يختلفون في القدرة على قص الرؤيا من جهة البراعة اللغوية مابين مجيد وغير مجيد، كذلك المعبرون منهم المستعجل وفيهم الذي وهبه الله القدرة على المعرفة من أقصر الطرق لكن لا شك أن المطلوب التأني والتروي والنظر في الرؤيا من جميع جوانبها، وأما كون البعض يتعامل مع الجن فلا أظن هذا الرأي موجود بله أن يكون صحيحاً!!
أما عن تعلق النساء فيقول العصيمي: النساء غالباً رقيقات عاطفيات ،ولذا يتعلق بالرؤى والبحث من خلالها عن حل لمشاكلهن أو بحثاً عن حل أو تنفيساً، والرجل عقلاني أكثر منها ولذا نجد البعض من الرجال لا يأبه بهذا العلم، وأقول للمهتمين بهذا العلم لا ملامة عليكم ولكن يجب أن لا ننام على الأحلام ونترك العمل.
ويقول الشيخ راشد الطيار: إن الشروط هي : علم يعتمد بعد الله عز وجل على الموهبة.. فلا بد لصاحبه أن يكون على فراسة وكياسة وفطانة وقدرة الاستنباط وسرعة بديهة وذكاء وعلم في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إلى جانب ذلك فلا بد للمعبر أن يكون على كثير من التقوى والورع والصدق، وصدق الله العظيم إذا يقول: {واتقوا الله ويعلمكم الله} وباختصار هو علم يفتح الله به على بعض عباده المخلصين ويعتمد على الموهبة بعد تقوى الله عز وجل والله أعلم.
ذكرنا فيما سبق أنها موهبة يهبها الله إن شاء من عباده الاتقياء، الانقياء من الكذب والنفاق ولكن هذه الموهبة تحتاج إلى صقل، وممارسة وتزود بالعلم الشرعي وغيره من العلوم الأخرى.
وعن استعجال المفسرين في تفسير الرؤى: أولاً.. الواجب أن لا نعمم فالتعميم هنا خطأ..
ثانياً: مما لا شك فيه أن الجن خلق من خلق الله.. خلقوا لعبادته قال سبحانه وتعالى: {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون}، وقضية الجن واستعانة الانس بهم فهذه قضية شائكة وقد طرقه العلماء كثيراً وقد اختلف العلماء بمسألة استعانة الانس بالجن فهناك من العلماء من اجازه.. وذلك بحدود، وفيما يقدرون عليه وما يجوز شرعاً ومن هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وفريق آخر من العلماء منع ذلك والمنع هذا سد للذريعة وأكثر من حامت حوله الشبهات في هذا الأمر بعض القراء أو أغلب القراء وأعني الرقاة الذين يعالجون الناس بالرقية الشرعية بالقرآن الكريم وقد يكون فيهم والله أعلم من تورط في هذا الأمر.
أما معبرو الرؤيا فأعتقد والله أعلم أن هذا نادر والنهادر لا حكم له.. وقد يكون هناك من يستعين بهم ممن يعبّرون الرؤيا والأحلام والله أعلم فقد قيل عن الشهاب العابر أحمد بن عبدالمنعم بن سلطان بن سرور القدسي الخبلي المولود سنة 628ه قيل عنه .. ربما أن له رئياً من الجن..
لأن هذا الشيخ برع في معرفة تعبيرالرؤيا وانفرد بذلك وكان الناس يتحيرون منه إذا عبر الرؤيا لما يخبر الرائي بأمور قد جرت له.. وله في ذلك حكايات كثيرة غريبة مشهورة وهي من أعجب العجب وكان جماعة من العلماء يقولون.. إن له رئياً من الجن.
أما في العصر الحاضر.. فقد يكون هناك من المعبرين من يوشوش في أذنه من قبل جني أو فئة من الجن لما يخبر المعبر صاحب الرؤيا بالمغيبات التي لا يقتضيها المنام أصلاً لذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
فعلي هنا وبهذه المناسبة أن اذكر وأشارك برأيي في هذه المسألة العويصة.
أقول وبالله التوفيق.. استعانة القارئ الذي يرقي الناس أو معبر الرؤيا بفرد أو جماعة من مخلوقات الجن أعتقد والله أعلم أن هذا الأمر بالنسبة لهذا العصر الذي كثرت فيه الفتن وقل به الورع وضعف به الإيمان هو كمن يدخل في نفق مظلم مجهول وقد تكون هذه والله أعلم من خطوات الشيطان التي قد تودي بصاحبها في نهاية الأمر إلى الشرك بالله اعاذنا الله وإياكم منه..
لذا نصيحتي لي أولاً ومن ثم للقراء والمعالجين والمعبرين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن وأن يكونوا دائماً وأبداً صادقين في أقوالهم وأفعالهم وان يحسنوا القصد والنية لله تعالى واختم قولي بنصيحة خاتم النبيين وسيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال يا غلام إني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف.
ويوجه الشيخ الطيار فيقول: تظهر الحاجة إلى علم التعبير والمعبرين إذا علمنا أن غالب الرؤى يحتاج إلى تعبير قال المهلب (الناس على ثلاث درجات: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها مايحتاج إلى التعبير ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والاضغاث).
فإذا كانت رؤيا الأنبياء فيها ما يحتاج إلى تعبير لما في رؤيا يوسف عليه السلام وكذلك ما جاء في القرآن من الرؤى فيه ما احتاج إلى تعبير فغير ذلك في الرؤى أحوج إلى التعبير من باب أولى لأن يندر وقوع الرؤيا على ظاهرها ولذلك عبر عليه السلام رؤيا صاحبي السجن والملك بما يخالف ظاهرها والرسول عليه الصلاة والسلاة عبركثيراً من الرؤى بما يخالف ظاهرها وكذلك الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم فالإنسان إذا رأى رؤيا وكانت هذه الرؤيا صالحة أي صادقة من الله عز وجل فهذا يعني اما خيراً يبشر به أو شراً يحذر منه أو قد تكون رؤيا معاتبة. لذا فالواجب على من رأى رؤيا صالحة صادقة أن يبادر لعالم ناصح محب وآمين لتعبير حاله.. من هذه الرؤيا الصحيحة تؤتي ثمارها وينتفع العبد بها.
ولكن ليس المعنى أن الإنسان تختلط عليه الأمور فيرى الأحلام المزعجة والكوابيس المفزعة كأن يرى رأسه يقطع ويتدحرج أمامه.. ويذهب ويسأل عن هذا المنام.. لا فهذا من تلاعب الشيطان ليحزن ابن آدم بمثل هذه المنامات والله أعلم.
ونصيحتي لمن يرى كثيراً ويكثر من طلب تفسير الأحلام.. أن لا تكون هذه شغله الشاغل ولا يبني بهاعلى أمر أو حكم ولا يأخذ الرؤيا على ظاهرها فقد يرى الإنسان رؤيا تضطرب لها حواسه وتهتز منها فرائصه، وتحتبس لها أنفاسه، فإذا بهاخير له وكبت لاعدائه.
بينما يرى رؤيا يفرح لها ويسعد بها وإذا بها من شواهد خذلانه وحرمانه من الخير والله أعلم.
فخلاصة القول ان المرء إذا رأى رؤيا واضحة المعالم ومختصرة وينشرح لها الصدر ويذكرها جيداً ودائماً تعيش في أفكاره ومشاعره فإنه يسأل أهل العلم والاختصاص في هذا الأمر .
وعن الاختلافات في الرؤيا والأحلام التي تكون في فصل الصيف عنها في فصل الشتاء؟
يقول الطيار: نعم مما لا شك فيه أن الرؤيا تختلف باختلاف الزمان، وباختلاف المكان وحتى باختلاف الأشخاص وسيرهم.. الخ ففي فصل الشتاء مثلاً النار هنا تكون محمودة والعكس في فصل الصيف النار هنا تكون فأل غير حسن.. وهكذا.. ولعلنا هنا نمثل بمثال فقد نسب عن شيخ المفسرين محمدبن سيرين انه جاءه رجل وقال له.. رأيت ناراً تشتعل في مكان كذا وكذا حدد المكان والموقع وكان ذلك في فصل الشتاء، فقال له الشيخ ابن سيرين اذهب واحفر في نفس الموقع.. فذهب وحفر فوجد كنزاً.. وبعد فترة زمن جاءه نفس الرجل وقال له رأيت نفس الرؤيا التي قصصتها عليك في السابق.. وكان هذا في فصل الصيف "حمارة القيظ" فحذره الشيخ ابن سيرين وقال له احذر أن تذهب لهذا المكان أو تحفر فيه. فعندما ذهب الرجل عن الشيخ فكر وقال في نفسه لعل الشيخ أراد ان يذهب ويأخذ الكنز قبلي وسوس له الشيطان فذهب وحفر فخرجت له حية خطيرة ولدغته ومات فوراً.. والله أعلم فهذا مثال على اختلاف الرؤيا بالنسبة لفصل الصيف عنها في فصل الشتاء.
وعن كثرة من يبحث عن تفسير الأحلام هم من النساء يوضح الشيخ الطيار: من المعلوم والمفهوم لدى الجميع أن طبيعة النساء وبيئتها وظروفها توجب مكوثها غالب وقتها في بيتها.. فيغلب على وقتها النوم لفترات متقطعة حسب متطلبات زوجها وولدها ومن تقوم برعايته لذا ترى كثيراً منامات اضف إلى ذلك انها أي المرأة في الغالب ليس لها عمل ودائماً في البيت معنى ذلك أن هناك فراغاً فتضطر لشغل هذا الفراغ وتسأل عن ما رأت في منامها..
أما الكلمة التي اوجهها لهن.. فهي نصيحة القرآن كلام رب العالمين {وقل للمؤمنت يغضنن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت ايمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً ايها المؤمنون لعلكم تفلحون} "سورة النور، اية 31".