وائل قنديل: الحزن المزيف على الشهداء والدستور.. وشهادة للتاريخ
سأحكى واقعتين قد يبدو أنهما شخصيتان، لكنهما تلخصان البؤس القومى الذى نعيشه:
الواقعة الأولى هى الأحدث حيث كان من المفترض أن أكون فى غزة أمس مع وفد من القوى الوطنية بدعوة كريمة من المتحدث الإعلامى لحزب الحرية والعدالة مراد محمد على، الذى دعانى للسفر على متن طائرة متجهة إلى مطار العريش صباح أمس، وقد رحبت فورا دون سؤال عن المشاركين وانت
ماءاتهم، وعلمت فيما بعد أن من بينهم سياسيون ومثقفون وإعلاميون من مختلف التوجهات، وإن كان معظمهم قد اعتذر فى اللحظات الأخيرة.
وأتوقف هنا عند ردود أفعال أصدقاء أبلغتهم بسفرى، فأدهشنى اعتراض بعضهم لأن الدعوة من حزب الحرية والعدالة، وكأن التضامن مع الفلسطينيين ضد العربدة الصهيونية غير جائز إذا كان بمشاركة الإخوان!
ستسألنى: ولماذا لم تسافر وسأرد عليك بكلام لن تصدقه، لأننى حتى هذه اللحظة لا أعلم كيف لم أستيقظ أنا أو أطفالى إلا عند التاسعة صباحا رغم أنهم مبرمجون على الاستيقاظ عند السادسة والنصف للذهاب إلى مدارسهم.
لكن المحير والمستفز حقا أن أصدقاء قصصت عليهم ما حدث ردوا بمنتهى الحكمة والهدوء بأن ربنا لم يرد لك التورط فى الذهاب مع وفد يتصدره رئيس حزب الحرية والعدالة.. وهنا تساءلت ماذا لو اعتدت إسرائيل على مصر؟ هل سنقعد عن المقاومة لأن من يقود البلاد الآن رئيس من الإخوان والحرية والعدالة؟
لقد رحب البعض بمشاركة ذيول الثورة المضادة فى فعاليات بميدان التحرير كتفا بكتف لأنهم يشاطرونهم العداء للرئيس وجماعته.. وتحدث البعض الآخر عن مصالحة وطنية تستوعب الفلول، وبالأخص الانتهازيون منهم، الذين صاروا فلولا من أجل كارنيه الحزب وعطاياه.
أما الواقعة الثانية فكانت أمام شهود محترمين فى مناسبة جمعت أعضاء بارزين فى تأسيسية الدستور من القوى الليبرالية، وحين سألت أحدهم عن حالة الفزع العام من الدستور القادم فاجأنى بقوله إن الدستور القادم من أفضل الدساتير فى تاريخ مصر، وسيخرج على نحو محترم من حيث المواد.. وهنا سألته لماذا لا تخرجوا على الناس لتطمئنوهم بدلا من تركهم نهبا للمعارك الكلامية الصاخبة التى تصنع مناخا مخيفا؟
وكان الرد أنهم يفضلون مواصلة الضغط على الجمعية التأسيسية لكى يحصلوا منها على الأفضل من حيث المواد والصياغات، خصوصا أنه لا يزال هناك جدل داخل الجمعية بشأن بعض المواد.
ومن جانبى احترمت رغبة الرجل فى عدم اعتبار ما قاله تصريحا للنشر حرصا على التوافق المنشود داخل الجمعية، لكن بعد ما جرى وانسحاب القوى المعروفة إعلاميا بالليبرالية أو المدنية أجد هذه شهادة للتاريخ لا يجب كتمانها، ومرة أخرى شهودها أحياء يرزقون ويمكنهم الرد أو التعليق أو حتى التصويب والتكذيب.
ويبقى أن كثيرا مما تراه حولك الآن من بكائيات كربلائية على دستور مصر وشهدائها فى أسيوط مصطنع ومزيف، لأن المنطق يأبى أن يصدق دموع من يعتبرون مساندة الحق الفلسطينى تهمة وخيانة للوطن.
إن الدم واحد ومقدس، سواء سفك فى ماسبيرو أو محمد محمود أو أسيوط أو غزة أو سوريا.