من رحم الألم يولد الأمل
يقول الله سبحانه و تعالى { لقد خلقنا الإنسان في كبد } أي في مشقة و عناء و جهاد ، و لذا المتأمل في سير حياتنا يجد أن عجلة الأيام و الشهور و السنين لا تسير حسبما نريد أو نشتهي ، فتارة مع الضاحكين ، و أخرى مع الباكين ، و ثالثة بين المؤملين و اليائسين .
و مع ذلك قد نصطدم ببعض المشاكل أو الصعوبات أو حتى الأزمات التي تفت في عضدنا ، و حينها تبكم منا الألسن ، و تعمى الأبصار و تصم الأذن و ما ذلك إلا لجهلنا .
و مع كل ما يدور حولنا إلا أنني أجد مثالا يبرز لنا ليس من نسيج الخيال .. و لا اسطورة رددتها الأجيال ، أتعرفون من هي أنها المرأة الفلسطينية صاحبة أعظم شامة في جبين التريخ .
هي أم و أخت و زوجة ، لها قلب ، و لديها مشاعر ، و تواجهها صعوبات و أزمات قد تجاوزت كل المقاييس و لكنها مع ذلك لزالت هي الأقوى .
و كان علنا لزاما أن نحذو حذو خطاها ، و نستفيد منه في تعاملها مع أزماتها كما تعاملت و من ذلك :
صدق إيمانها ، و التجاؤها لربها و تعلقها به سبحانه أشد تعلقها بهتافات أو شعارات { و الذين اهتدوا زادهم هدى و آتاهم تقواهم } .
ثباتها على صوابها مهما إدلهمت عليها الخطوب و كانت ضدها و حاربتها .
تربيتها الجادة لنفسها و لأسرتها و تعايشها مع أزماتها بثبات وروية و بما أوتيت من إمكانيات مما يجعلها بقسوة الموقف يقوى رسوها .
تفاؤلها برغم ما تعاني و تقاسي مما ترى و تسمع ما لا يخفى عليكم مما يتفطر القلب لمثله إلا أنها ما زالت ترى النور بكلتا عينيها و تناضل للوصول له
يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله
إذا بليت فثق بالله وأرض به إن الذي يكشف البلوى هو الله
استمرارية العمل في الشدة كما لو كان في الرخاء ، فهي تعيش يومها بما لديها من قوة و أبناؤها يواصلون ذهابهم إلى مدارسهم و رجالهم إلى أعمالهم بدون حجج واهية تومهم بالعقود و الاستسلام بالرغم من المؤشرات التي تهددهم بالموت المفاجئ فهي تودع ابنها عند الخروج و زوجها في الغدو أو الرواح ، لكنهم ما ضون
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله – عز و جل - بها عنه حتى الشوكة يشاكها "
صبرها و تحملها ووفاة زوجها و سجن ابنها و موت خالها و مرض بناتها و تشتت عائلتها هو ألم و جرح دامي في صدرها لم يزل ينزف لكنه لم يكن يوما من الأيام ليخونها أو يرعبها أو يقعدها ( صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) .
قدرتها على التعايش برغم الظروف التي حولها شبه منتشلة و معطلة .
فهي تتعاون و تعيش بما أوتيت من موارد بسيطة للحياة فعدم وجود الكهرباء لا يحرمها الفانوس و نفاذ الغاز لا يحرمها الشمعة و قلة الطعام لا تحرمها من عجن الدقيق بالعدس فيا الله ما أقواها و ما أصبرها .
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرحت و كنت أظنها لا تفرج
احتسابها في مصابها صباحا مساء و قيامها بطاعة ربها و مولاها
و لي و قفة كم مرة مرت بنا أزمة و حلت بنا مصيبة لم نتمكن فيها من السيطرة على أنفسنا هرعنا إلى البكاء .. تعطلت أعمالنا .. ضيعنا فرائضنا .. اشتكينا إلى من هو أضعف منا .. و نسينا القوي الرحيم .. جزعنا بسرعة .. استسلمنا بأقل الصدمات فما كانت إيجابيات و هنا تكمن المشكلة .
و بعد فالناظر إلى هذه الدروس المستفادة من حياة العظماء و أخلاق الكبار هناك أيضا دروس كثيرة من حياتها لو تعاملنا مع أزماتنا كما تعاملت لما ظلت عندنا أزمة ، ولتحولت النقمة إلى نعمة و العتمة إلى ضياء و لسعدت أرواحنا كما سعدت روح هذه المرأة بالقضاء التي قدمت لنا هذه الدروس من حياتها مجانا و كانت ماثلة أمامنا لها مثالا و ستقر عيناها بما تريد عاجلا أو آجلا .
فتحية إجلال و أكبار إليك أيتها المرأة .. فبحق أنت الأقوى .
" منقول "