احتراق الفكر على نار العطاء .. كاحتراق العود على لظى الجمر تزيد في طيبه ... إن قطعة من عود زكي غال لا تنفحك بطيب مكنونها .. ولا بعصارة عطرها إلا حين تلقي بها فوق مجمرة متوهجة الجمر .. لتتصاعد أنفاسها العطرية مالئة ما حولها بأريج أخاذ يهيج الأنفاس .. وهكذا الفكرفي أعماق الإنسان .. إنه حين يظل محبوسا مكتوم الأنفاس يتحول إلى ما يشبه قطعة عود باردة .. لا يحس بها أحد .. ولا يأنس إلى وجدودها وإلى جودها أحد .. وحين يتحرك الفكر من عقاله ويتحرر .. ويحترق في معمل الحياة .. تترامى أبعاد عطره .. ويتسامى أريجه وشذاه .. طارقا كل حواس العقل .. وكل خصائص الحياة .. والفكر في احتراقه لا يعني موته .. وإنما يعني حياته .. إن موجة الاحتراق فيه .. تعني موجة الاختراق لكل الأبعاد من حوله .. وتعني اتساع دائرة سيطرته .. وتملكه للأشياء ..
وهكذا وكما يطيب لشمنا الطيب محترقا متصاعد الأنفاس زكيا .. يجب أن تكون درجة الاحتراق في معامل الفكر قوية ملتهبة تدفع به إلى الأعلى تماما كما يندفع الصاروخ من منصة إطلاقه ..
لقد وجد الفكر للاحتراق .. وتلك قيمته .. وقمته .. وحين يظل حبيس قمقمة .. لا يعدوا أن يكون قطعة عود زكي لم تحترق ولم تعطر ما حولها .. تتماثل في لونها .. وربما في حجمها وقطعة حطب صغيرة لا مكان لها من الإعراب إلا في أتون اللهب .. وفي سعار النار ..