من الأمور الواجبة على المسلم أن يتعلم هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل عمل من الأعمال الشرعية، وذلك كي يؤدي ذلك العمل على أكمل الوجوه، وكي لا يقع في ما يبطله أو يخل به. وصلاح كل عمل متوقف على شرطين، هما:
1- إخلاص النية لله تعالى.
2- موافقة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - . ومن ذلك أعمال شهر رمضان، من الصيام والقيام والقراءة والاعتكاف وغيرها من الأعمال الصالحات. وقد جاءت عدة أحاديث تبين لنا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشهر المبارك.
1- فأما هديه - صلى الله عليه وسلم - في الصيام: فكان - صلى الله عليه وسلم - يتسحر، وكان يؤخر السحور إلى آخر الليل، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحث أمته على تأخير السحور وعلى التسحر بالتمر. ثبت في "الصحيحين" من حديث زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية. رواه الخاري ومسلم . وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : " تسحروا فإن في السحور بركة" . وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نعم سحور المؤمن التمر "
. 2- وكان - صلى الله عليه وسلم - ربما أصبح جنبا، فيغتسل ويصوم: وعن عائشة وأم سلمة قالتا: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان، ثم يصوم. وعنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم. وعن عائشة أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتيه _ وهي تسمع من وراء الباب _ فقال: يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم " فقال: إنك لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: " والله، إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي " .
3- وكان - صلى الله عليه وسلم - ربما قبل بعض نسائه وهو صائم : وعن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " سل هذه " لأم سلمة، فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له ". فائدة : قال العلماء القبلة ثلاثة اقسام :
1- ألا يصحبها شهوة إطلاقا، فهذه لا تؤثر ولا حكم لها، لأن الأصل الحل.
2- أن تحرك الشهوة، ولكنه يأمن من إفساد الصوم بالإنزال، فهذه الصحيح أنها جائزة ولا بأس بها.
3- أن يخشى من فساد الصوم، فهذه يحرم إذا ظن الإنزال .
4- وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر تارة يصوم، وتارة يفطر، وتارة يبتدأ الصوم في أول النهار ثم يفطر بعد ذلك، ويبدو - والله أعلم- أن مرجع هذا الاختلاف في الحال اختلاف أنواع السفر ومشاقه. عن أبي الدرداء قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة . وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكَدِيد أفطر، فأفطر الناس . وفي رواية قال: سافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء فيه شراب فشربه نهارا ليراه الناس، ثم أفطر حتى دخل مكة. قال ابن عباس: فصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفطر، من شاء صام ومن شاء أفطر.
5- وكان - صلى الله عليه وسلم - يعجل الفطر بعد غروب الشمس مباشرة، وكان يفطر قبل صلاة المغرب، وكان يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء، وكان - صلى الله عليه وسلم - يوجه أمته لذلك ويحثهم عليه. قال ابن عبد البر: (أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة). وعن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإنه طهور .
6- وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا أفطر: " ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى " .
7- وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر عند قوم دعا لهم.
8- وكان - صلى الله عليه وسلم - ربما واصل في رمضان الصيام إلى اليوم التالي، ولكن هذا كان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، فلا يشرع للإنسان الوصال، ومن أحب أن يواصل فقد رخص فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السحر، والأولى تركه. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل؟! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ". فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما، ثم يوما، ثم رأوا الهلال، فقال: " لو تأخر الهلال لزدتكم ". كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا. جريدة اللواء